-A +A
مصطفى زقزوق

إن الله -عز وجل- حينما خلق البشر لم يجعلهم يحيون حياة منفردة موحشة، بل جعلهم جماعات، وجعل مصير كل جماعة منهم مرتبطاً بمصير الأفراد، وجعل لكل شعب وقبيلة أرضاً ينتمون إليها؛ ليكون في هذه الأرض معاشهم، وليكون لهم هدف في الحياة هو الدفاع عن هذه الأرض بعد عبادة الله سبحانه وتعالى.

وإن حب الوطن يتفق مع مقاصد الإسلام وتعاليمه، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ناجى مكة المكرمة، وصرح بحبه المكين لها حينما أخرجه قومه منها، فقا: «والله إنك أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت»، ومن الطبيعي أن يتعلق الإنسان بوطنه الذي ولد فيه، وبالمرابع التي شهدت مطارح مواطن الذكريات التي سجلت أيام الصبا والشباب، وحب الأرض والوطن جزء من تكوينه الداخلي، وبطبعه يحبها، ويأنس بها.

امتاز الإنسان السعودي عن غيره من المسلمين في شتى بقاع العالم أنه يقطن هذه الأرض المباركة، مما كان له كبير الأثر في بناء شخصيته، وإغناء تجربته في الحياة، فهو يرى ملايين البشر من الأقطار التي تتوافد إلى وطنه لأداء فريضة الحج والعمرة، وللصلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزيارة قبره والسلام عليه، أما بالنسبة للشاعر السعودي، فهو أكثر من غيره من شعراء المسلمين تناولاً لهذا الموضوع، وكانت مكة المكرمة والمدينة المنورة غرضاً أساسياً من أغراض شعره، فليس هناك من شاعر من شعراء السعودية لم تهفُ نفسه إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وليس هذا الأمر حكراً على الشعراء السعوديين فحسب، إنما هو عند كل شعراء العرب، لكن الشعراء السعوديين أكثر التصاقاً، فهم يشاركون الآخرين في التقديس، وتعظيم المشاعر، ويزيدون عليهم بالانتماء التاريخي للوطن، والاستيطان الواقعي، فهم يستشعرونها، ويحملون راية الدفاع عنها.